من مقدمة لكتاب
....(من قصص التاريخ) ....
للشيخ علي "الطنطاوي"
والإقتباس على غير العادة ليس قصيرا
لكنه يستحق بالتأكيد
بعنوان
[ نحن المسلمون !]
...1...
نحن المسلمون !
هل روى رياضَ المجد إلا دماؤنا ؟ هل زانت جنات البطولة إلا أجساد شهدائنا ؟ هل عرفت الدنيا أنبل وأكرم منا وأكرم ، أو أرأف أو أرحم ، أو أجل أو أعظم ، أو أرقى أو أعلم ؟
نحن حملنا المنار الهادي والأرض تتيه في ليل الجهل وقلنا لأهلها : هذا الطريق !
نحن نصبنا موازين العدل يوم رفعت كل أمة عصا الطغيان .
نحن بنينا للعلم داراً يأوي إليها حين شرده الناس عن داره .
نحن أعلنّا المساواة يوم كان البشر يعبدون ملوكهم ويؤلهون سادتهم .
نحن أحيينا القلوب بالإيمان ، والعقول بالعلم ، والناس كلهم بالحرية والحضارة .
... 2 ...
نحن المسلمون !
قوتنا بإيماننا ، وعزنا بديننا ، وثقتنا بربنا .
قانوننا قرآننا ، وإمامنا نبينا ، وأميرنا خادمنا .
وضعيفنا المحق قوي فينا ، وقوينا عون لضعيفنا .
وكلنا أخوان في الله ، سواء أمام الدين
...3...
نحن المسلمون !
سلوا عنا ديار الشام ورياضها ، والعراق وسوادها ، والأندلس وأرباضها .
سلوا مصر وواديها ، سلو الجزيرة وفيافيها ، سلوا الدنيا ومن فيها .
سلوا بطاح أفريقية ، وربوع العجم وسفوح القفقاس .
سلوا حفافي الكنج ، وضفاف اللوار، ووادي الدانوب .
سلوا عنا كل أرض في (( الأرض )) ، وكل حي تحت السماء .
إن عندهم حميعاً خبراً من بطولاتنا وتضحياتنا ومآثرنا ومفاخرنا وعلومنا وفنوننا.
... 4...
نحن المسلمون !
نحن بنينا الكوفة والبصرة والقاهرة وبغداد .
نحن أنشأنا حضارة الشام والعراق ومصر والأندلس .
نحن شِدنا بيت الحكمة والمدرسة النظامية وجامعة قرطبة والجامع الأزهر .
نحن عمرنا الأموي وقبة الصخرة و(( سُر من رأى )) والزهراء والحمراء ومسجد السلطان أحمد وتاج محل .
نحن علمنا أهل الأرض وكنا الأساتذة وكانوا التلاميذ .
.... 5 ....
نحن المسلمون !
منا أبو بكر وعمر ونور الدين وصلاح الدين وأورنك زيب.
منا خالد وطارق وقتيبة وابن قاسم والملك الظاهر .
منا البخاري والطبري وابن تيمية وابن القيم وابن حزم وابن خلدون .
منا الغزالي وابن رشد وابن سيناء والرازي .
منا الخليل والجاحظ وأبو حيان .
منا أبو تمام والمتنبي والمعري .
منا معبد وإسحاق وزرياب .
منا كل خليفة كان الصورة الحية للمثل البشرية العليا .
وكل قائد كان سيفاً من سيوف الله مسلولاً.
وكل عالم كان من البشر كالعقل من الجسد .
منا مئة ألف عظيم وعظيم .
.... 6 ....
نحن المسلمون !
ملكنا فعدلنا ، وبنينا فأعلينا ، وفتحنا فأوغلنا ، وكنا الأقوياء المنصفين
سننّا في الحرب شرائع الرأفة ، وشرعنا في السلم سنن العدل ، فكنا خير الحاكمين ، وسادة الفاتحين .
أقمنا حضارة كانت خيراً كلها وبركات ، حضارة روح وجسد ، وفضيلة وسعادة ، فعم نفعها الناس ، و تفيأ ظلالها أهل الأرض جميعاً .
وسقيناها نحن من دمائنا ، وشدناها على جماجم شهدائنا .
وهل خلت أرض من شهيد لنا قضى في سبيل الإسلام والسلام ، والإيمان والأمان ؟
.... 7 ....
نحن المسلمين !
هل تحققت المثل البشرية العليا إلا فينا ؟
هل الكون مجمعاً بشرياً ( إلا مجمعنا ) قام على الأخلاق والصدق والإيثار ؟
هل اتفق واقع الحياة وأحلام الفلاسفة وآمال المصلحين ، إلا في صدر الإسلام ؟ يوم كان الجريح المسلم يجود بروحه في المعركة يشتهي شربة من ماء ، فإذا أخذ الكأس رأى جريحاً آخر فآثره على نفسه ومات عطشان .
يوم كانت المرأة المسلمة يموت زوجها وأخوها وأبوها فإذا أخبرت بهم سألت : ما فعل رسول الله ؟ فإذا قيل لها : هو حي قالت : كل مصيبة بعده هينة .
يوم كانت العجوز ترد على عمر وهو على المنبر في الموقف الرسمي وعمر يحكم إحدى عشرة حكومة من حكومات اليوم .
يوم كان الواحد منا يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويؤثره عليها ولو كان به خصاصة .
وكنا أطهاراً في أجسادنا وأرواحنا ومادتنا والمعنى .
وكنا لا نأتي أمراً ولا ندعه ولا نقوم ولا نقعد ولا نذهب ولا نجيء إلا لله ؛ قد أمتنا الشهوات من نفوسنا فكان هوانا تبعاً لما جاء به القرآن .
لقد كنا خلاصة البشر وصفوة إنسانية .
وجعلنا حقاً واقعاً ما كان يراه الفلاسفة والمصلحون أملاً بعيداً .
.... 8 ....
نحن المسلمين !
تُنظَم في مفاخرنا مئة إلياذة وألف شاهنَّامه . ثم لاتنقضي أمجادنا ولا تفنى ، لأنها لاتعد ولا تحمى .
من يعد معاركنا المظفرة التي خضناها ؟
من يحصي مآثرنا في العلم والفن ؟
من يستقري نابغينا وأبطالنا ؟
إلا الذي يعد نجوم السماء .
ويحصي حصى البطحاء .
أكتبوا ( على هامش السيرة ) ألف كتاب .
و(على هامش التاريخ ) مثلها ، وأنشئوا مئةً في سيرة كل عظيم .
ثم تبقى السيرة ويبقى التاريخ كالأرض العذراء والمنجم المبكر .
.... 9 ....
نحن المسلمين !
لسنا أمة كالأمم تربط بينها اللغة ، ففي كل أمة خيّر وشرير .
ولسنا شعباً كالشعوب يؤلف بينها الدم , ففي كل شعب صالح وطالح ، ولكننا جمعية خيرية كبرى .
أعضاؤها كل فاضل من كل أمة ، تقي نقي .
تجمع بيننا التقوى عن فصل الدم ، وتوحد بيننا العقيدة إن أختلفت اللغات .
وتدنينا الكعبة إن تناءت بنا الديار .
أليس في توجهنا كل يوم خمس مرات إلى هذه الكعبة ، واجتماعنا كل عام مرة في عرفات ، رمزاً على أن الإسلام قومية جامعة ، مركزها الحجاز العربية وإمامها النبي العربي وكتابها القرآن العربي ؟
... 10 ...
نحن المسلمون !
ديننا الفضيلة الظاهرة ، والحق الأبلج .
لاحجب ولا استار ولا خفايا ولا أسرار .
هو واضح وضوح المئذنة . أفليس فيها ذلك المعنى ؟
هل في الدنيا جماعة أو نِحلة تكرَّر مبادئها وتُذاع عشر مرات كل يوم كما تذاع مبادئ ديننا ، نحن المسلمين ، على السنة المؤذنين :
(( اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ))
... 11 ....
نحن المسلمين !
لا نَهِنُ ولا تحزن ومعنا الله .
ونحن نسمع كل يوم ثلاثين مرة هذا النداء العلوي المقدس ، هذا النشيد القوي : الله أكبر .
البطولة سجية فينا ، وحب التضحية يجري في عروقنا .
لا تنال من ذلك صروف الدهر ، ولاتمحوه من نفوسنا أحداث الزمان .
لنا الجزيرة التي يُشوى على رمالها كل طاغِ يطأ ثراها ،ويعيش أهلها من جحيمها في جنات .
لنا الشام وغوطتها التي سقيت بالدم ، لنا فيها الجبل الأشم .
لنا العراق ، لنا الرميثة ، وسهول الفرات .
لنا فلسطين التي فيها جبل النار .
لنا مصر دار العلم والفن ومثابة الإسلام .
لنا المغرب كله ، لنا (الريف ) دار البطولات والتضحيات .
لنا القسطنطينية ذات المآذن والقباب ، لنا فارس والأفغان والهند وجاوة .
لنا كل أرض يتلى فيها القرآن وتصدح مناراتها بالأذن .
لنا المستقبل ... المستقبل لنا إن عدنا على ديننا
..
.
.
.